البطل في سوح الجهاد في سبيل العقيدة والإيمان ، كما أنّها خزين علم وأدب ، يرفد التراث الإسلامي بما يزيده قيمةً قيّمة ، إذ جمع ابن عباس رضي الله عنه من ميراث النبوّة والإمامة علماً جمّاً وفضلاً عظيماً ، فصار ينفق منه مع وضوح في المنهج ، وقوة في الحجة ، وتفان في العقيدة ، وجهاد في سبيل الحق قولاً وعملاً ، لذلك كان فذّاً بين الصحابة العلماء من العاملين المجاهدين ، الذين وفوا بما عاهدوا الله عليه من صدق الإيمان بجميع أركانه ومقوّماته ، وأداء الأمانة في زمانه ومكانه.
ومن أبرز مظاهر إيمانه وقوفه مأموماً مخلصاً إلى جانب إمامه ، تلميذاً وفيّاً تابعاً لمعلّمه ، مستضيئاً بنور علمه ، مقتدياً بهداه ، مجاهراً بنصرته.
لم أقف على من ضاهاه في جرأته وشجاعته ، في كثرة مواقفه العقيدية ، كما ستأتي شواهد هذا في محاوراته مع عمر وغيره ممن لا يؤمن بطشه في سورة غضبه عند تحد سافر بقول ساخر ، غير أن الإيمان وصدق الموالاة كانا عنده أقوى في الإندفاع نحو التضحية والمفاداة.
وهكذا كان هو فذّاً في تلك المواقف طيلة حياته من شبابه إلى شيخوخته ، فلم يوهن عزمه كبر سنّ ، ولا فقدان بصر ، ولا وهن عظم ، ولا اشتعال الرأس منه شيباً في أداء رسالته ، فهو كما كان في أيام نضارة شبابه مضاءً وعزماً ، وحسبنا شاهداً ما سنقرأه من خطاب ممضّ مع ابن الزبير في تنمّره ، وتمعّره ، وكتاب تهديد ووعيد إلى يزيد مع تجبّره وكفره ، وكلاهما في البغض والعنف ما لهما من مزيد. ومن ذا غيره كان يجرأ على مثل ذلك؟ وصفحات تلك الحقيقة في التاريخ بين يدي القراء ،