الإمام عليه السلام الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث ابن عباس : ( قال صلى الله عليه وآله وسلم وقد نظر إلى عليّ عليه السلام : ( لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبي حبيب الله ، وبغيضي بغيض الله ، ويل لمن أبغضك بعدي ) (١). وكان ابن عباس رضي الله عنه يعرفهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو القائل : ( كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) (٢).
فهو نسخة مفردة من بين شيعة الإمام عليّ عليه السلام ، فكان يترسم خطاه في مواقفه مع أعدائه ، وفي جامعيته وألمعيته ، حتى في تأثره بإسلوبه البلاغي ، حين نقرأ المأثور عنه في هذا نجده يتصرف في فنون القول فصاحة مع حكمة المعاني بلاغة ، وانسياب المفردات بدون تكلّف ، وله إحاطة تامّة بأساليب الفصاحة ، فيختار من الكلم أوعاها لمعناها ، ويضعها في مكانها ، ويدلي بالحجة في زمانها ، غير عابئ ولا هياب بما سيواجهه من الصعاب ، من سطوة معتد غاشم ، لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة.
لهذا كلّه لم أتردد في قولي : إنّ ابن عباس كان فذّاً بين أولئك الصفوة من شيعة الإمام عليه السلام في جامعيته وألمعيته ، فضلاً عن سائر الصحابة ممن أشادوا لهم صروحاً على شفا جرف هار ، فانهارت بهم عند الموازنة ، وساخت بهم أقدامهم عند المعادلة.
وبالرغم ممّا لحق بتاريخ هذا الإنسان من قوارص الكلم ، وقوارض التمويه والتشويه وقد أشرت إلى مصادرها آنفاً ، من ذرية عباسية بغيضة ،
____________________
(١) علي إمام البررة ١ / ٩٣ ، نقلاً عن الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣.
(٢) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ١٥٤ ـ ١٥٥.