كان بالوحي ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( ضعوا آية كذا في موضع كذا ) ، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وممّا أجمع الصحابة على وضعه هذا في المصحف (١).
إذن ما بال ابن عباس ـ وهو الذي نشأ وتعلّم في بيت الوحي ـ يسأل من عثمان مستنكراً عليه وعلى من معه ، فيقول له : ( ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ووضعتموها في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك )؟!
بينما تجد أنّ ابن عباس ، قال : ( سألت عليّ بن أبي طالب : لِم لم تكتب في براءة ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )؟ قال : لأنّها ـ البسملة ـ أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ) (٢)!
فمن كان عنده باب مدينة العلم وقد سأله عن سبب ترك البسملة في أوّل سورة براءة ، لا يكون سؤاله من عثمان إلاّ من باب الإستنكار ، ولعلّه كان في سؤاله تعنتاً وليس مستفهماً ، فأجابه عثمان بما مرّ ، ولم يظهر من ابن عباس ما يُشعر برضاً وقناعة به!
ولذا قلت فيما مّر في سيرته : ( ويبدو فيما أظن أنّ الخبر لم يسلم من عبث الرواة ، فقد ورد في أخره جواب عثمان ولم يذكر فيه لابن عباس رأيه في الجواب مقتنعاً أو مفنّداً ... ) (٣).
____________________
(١) نفس المصدر / ٦٣.
(٢) الإتقان ١ / ٧٠.
(٣) أنظر موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الاولى ٢ / ٣٢٧.