منها قبل أن يترك البصرة ، ردّ عائشة إلى المدينة لتقرّ في بيتها كما أمرها الله ) (١).
ولمّا كان قد أنزلها في دار عبد الله بن خلف ، فصارت لجأً لفلول الجرحى وغيرهم من أصحابها ، فكان لابدّ له من إنذارها بالتهيوء للرحيل ، قبل أن يتعاظم الخطب بطول بقائها ، ومن ذا هو الرسول الذي سيرسله إليها ، وهو يعلم منها ـ لما يبلغه عنها ـ صلابة وعناداً. وهل لها إلاّ ابن عمّه عبد الله بن عباس الذي سبق له أن كان رسوله إليها قبل الحرب. وله مواقف معها من قبلُ دلّت على كفاءة عالية وقدرة في دحض حججها.
وقد ذكرت بعض المصادر ـ كما سيأتي بيانها ـ بأنّ الإمام عليه السلام إستدعاه عقب خطبته في ذم أهل البصرة ، فقال : ( أين ابن عباس؟ ). فدعي له من كلّ ناحية ، فأقبل إليه ، فقال : ( إئت هذه المرأة ومرها فلترجع إلى بيتها الذي أمرها الله أن تقرّ فيه ).
قال ابن عباس : فأتيتها وهي في دار بني خلف ، فطلبت الإذن عليها فلم تأذن.
وهنا سؤال يفرض نفسه ، لماذا لم تأذن عائشة لابن عباس؟ ولعلّ في استعراض مواقفه السابقة معها ، وما كان يدور بينهما من تشنج نجد جواب ذلك وهو الذي فرض على عائشة تصلّب موقفها في عدم الإذن.
وإذا رجعنا نستقرئ مواقف ابن عباس معها ، فعلينا أن نبدأ بها من يوم
____________________
(١) الفتنة الكبرى ٢ / ٥٩.