قال ابن عباس : فأتيت عليّاً فأخبرته بما كان ، فقبّل بين عينيّ ، وقال : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ )(١) ، أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك (٢) .. انتهت الرواية.
أمّا الذي لا يمكن أن يقبله امرؤ ذو روية فما رواه المسعودي المؤرخ الحزبي فقد زعم أنّ عائشة قالت لعليّ بعد خطب طويل كان بينهما : ( إنّي أحبّ أن أقيم معك فأسير إلى قتال عدوك عند مسيرك.
فقال عليّ : بل ارجعي إلى البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (٣).
وهذا خبر غير معقول ألبتة ، وهو مخالف منطق الحوادث ، أمن تجييش الجيوش على عليّ ، إلى القتال معه؟ أهكذا إنقلاباً فجائياً من
____________________
(١) آل عمران / ٣٤.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٨٢ ، وانظر العقد الفريد ٣ / ١٠٣ ، واليعقوبي ٢ / ٢١٣ ، ولقد كان هذا الخبر ـ ان صح ـ أجدر أن يوجد في الطبري وأرجّح أنه راج بعده ( مات الطبري سنة ٣١٠ ) ولعله علم به وأهمله لكذبه. ومن أمعن في هذه الأقوال استبعد صدورها عن مثل ابن عباس ، فليس ممّا يرضاه ذوق أن تجابه امرأة مهزومة بمثل هذا فكيف بمثل عائشة مكانة وحرمة. والخبر مصنوع بأداة حزبية عصبية طبقية ، والا فابن عباس أصح عقيدة وأتقى لله من أن ينسب إلى أسرته ما هو من صنع الله ، وكلّ مسلم يعلم : أن زواج عائشة كان بوحي من الله ، وأن صديقية أبي بكر كانت هداية من الله وحده ، لا وساماً تمنحه أسرة. وكلّ ما مرّ بك آنفاً وما سيمرّ بك عاجلاً من معاملة عليّ لعائشة ومخالفيه ... مبعد عن تصديق هذا الخبر الروائي. لقد كان ابن أبي الحديد ( أو صناع بعض أخباره على الأصح ) في كثير ممّا يروى : الصديق الجاهل للإمام كرم الله وجهه. والمشهور من نبل عليّ ودينه وسمو خلقه ... يجعل المنصفين يضربون بكثير من هذه الروايات عرض الحائط. وقريب منه في ذلك ابن عباس. ( تعليقة سعيد الأفغاني بنصها وفصها ).
(٣) مروج الذهب ٢ / ٩ تعليقة سعيد الأفغاني.