منها فيه ـ فقالت له : تصير لي وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها ، قالت : أين عتبة بن ربيعة؟ وشيبة بن ربيعة؟ ـ وكانا من المقتولين ببدر ـ فيسكت عنها ، حتى إذا دخل عليها يوماً وهو بَرِم ، قالت : أين عتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة؟ قال : عن يسارك في النار إذا دخلتِ ، فشدّت عليها ثيابها ، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ، فضحك فأرسل إلى ابن عباس ومعاوية ـ وكان يومئذ بالمدينة ـ فقال ابن عباس : لأفرقنّ بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف ، فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا ) (١).
فهكذا بدايات مؤسفة لابدّ أن تأتي بنتائج سيئة ، ونهايات محزنة ، وتبقى نار العداوات بين الأجداد تورث في الأولاد والأحفاد ، فإنّ تخبو حيناً فإنّها أحياناً تستعر حين توافيها الظروف وينفخ فيها هوى الأهواء ، فإن بدت منذ أيام عثمان وقدتها ، فقد توقدت في أيام معاوية جمرتها ، فكانت أيام سوء على المسلمين عامّة وعلى بني هاشم خاصة ، وقد طالت أربعين عاماً ـ عشرين منها والياً على الشام وعشرين منها ملكاً على المسلمين ـ وجرت في أيامه أنهار الدماء من شيعة الإمام عليه السلام إذ عمّهم بالبلاء ، وكان يتربص بأهل البيت عليهم السلام فأضمر لهم كلّ مكروه ، وجرّعهم الغصص بما لا يوفّي حقّه القَصَص.
وكان ابن عباس مستهدفاً لمعاوية منذ حين ، ومرّ بنا مخادعته
____________________
(١) المصنف لعبد الرزاق ٦ / ٥١٢ / ٥١٣ ، وقارن تفسير الطبري ٥ / ٤٥ باختصار.