والمصطفون الأخيار ، ولِمَ يا معاوية أشكاً في ديني ؛ أم جبناً ( حيرة ) في سجيتي؟ أم ضناً بنفسي؟ والله أن لو فعلت ذلك لأختبأته فيّ وعاتبتني عليه.
وأمّا ما ذكرت من خذلان عثمان ، فقد خذله مَن كان أمسّ رحماً به مني وأبعد رحماً مني ، ولي في الأقربين والأبعدين أسوة ، وإنّي لم أعد عليه فيمن عدا بل كففتُ عنه كما كفّ أهل المروآت والحجى.
وأمّا ما ذكرت من سعيي على عائشة ، فإنّ الله تبارك وتعالى أمرها أن تقرّ في بيتها وتحتجب بسترها ، فلمّا كشفت جلباب الحياء ( عصت ربها ) وخالفت نبيّها صلى الله عليه وآله وسلم وسعنا ما كان منا إليها.
وأمّا ما ذكرت من نفيي زياداً ، فإنّي لم أنفه ، بل نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وإنّي من بعد هذا لأحبّ ما يسرك في جميع أمورك (١).
فتكلم عمرو بن العاص ، فقال : يا أمير المؤمنين والله ما أحبّك ساعة قط ، غير أنّه أعطي لساناً ذرباً يقلبّه كيف شاء ، وإن مثلك ومثله كما قال الأوّل .. وذكر بيت شعر.
____________________
(١) روى الطيالسي في مسنده / ٣٠٠ ط حيدر آباد بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أدعي إلى غير أبيه فلن يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة سبعين عاماً ، فلما رأى ذلك جنادة بن أبي أمية وكان معاوية أراد أن يدعيه ، قال جنادة : إنما أنا سهم من كنانتك فارم بي حيث شئت.
ومن هذا يعلم أن نسب جنادة كنسب زياد ، لذلك أراد معاوية أن يدعيه ، ويعلم أيضاً أن الجميع لا يريحون ريح الجنة ، ولتسخن أعين النواصب الكواذب حين يروون هذا ويروون ما يناقضه.