وكأنّه كلام مصنوع ، ولعلّه من نسج بعض أدباء ذلك العصر الذي عاشه الجاحظ ، أو أبو حيان التوحيدي ، أو أبو العيناء ، ممن قيل فيهم إنّهم يتهمون بمثل هذا ، ولا أريد أن أتهمهم به ، غير أنّ معناه يتفق مع مبناه ، ويتسق مع ما قرأناه ونقرأه من محاورات ابن عباس مع معاوية ، لذلك فلا مانع عندي من إحتمال صحة روايته وإليك حديثه ، قال :
( دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله ابن عمر. فلمّا جلس قال له معاوية : إنّك يا بن عباس لترمقني شرراً كأنّي خالفت الحق أو أتيت منكراً.
قال ابن عباس : لا منكر أعظم من ذبحك الإسلام بشفرة الشرك ، واغتصابك ما ليس لك بحق اعتداءً وظلماً.
فقال معاوية : إنّما ذبح الإسلام من قتل إمام الأمّة ونقض العهد ، وخفر الذمة ، وقطع الرحم ولم يرع الحرمة ، وترك الناس حيارى في الظلمة.
قال ابن عباس : كان الإمام من سبق الناس إلى الإسلام طراً ، وضرب خيشوم الشرك بسيف الله جهراً ، حتى انقاد له جماهير الشرك قهراً ، وأدخلك وأباك فيه قسراً ، فكان ذلك الإمام حقاً ، لا من خالف الحق حمقاً ، ومزّق الدين فصار محقا.
فقال معاوية : رفقا يابن عباس رفقاً ، قد أتيت جهلاً وخرقاً ، فوالله ما قلت حقاً ، ولا تحريت في مقالك صدقاً فمهلاً مهلاً. لقد كان من ذكرته إماماً عادلاً ، وراعياً فاضلاً ، يسلك سبيلاً ، مليء حلماً وفهماً ، فوثبتم عليه