٢ ـ وقال في ذلك أيضاً :
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما |
|
فإنّ قلبي مضيء مابه ضرر |
أرى بقلبي دنياي وآخرتي |
|
والقلب يدرك ما لا يدرك البصر (١) |
أقول : ربما كانت فكرة التعويض هي الدافع وراء أقواله في ذهاب بصره ، إذ لا شك بأنّ فقدان البصر مظهر من مظاهر النقص الذي يجسد الضعف لصاحبه ، فلا مؤاخذة لو استعان على مواجهة إحساسه بذلك النقص بقوة إحساسه بنفاذ البصيرة ، وحق له لو أفتخر بالقدرة على تجاوز ذلك الإحساس المؤلم بما فقده من نعمة البصر بما عوّضه الله سبحانه من قوة البصيرة ، بنور الفؤاد والقلب.
ومن تلك القوّة كان التعويض كبيراً وعظيماً ، فالقلب ذكي ، والعقل سليم ، واللسان طلق ذلق قوي الحجة ، فأيّ قوّة هي أعظم من تلك القوّة التي استطاع أن يدفع بها من عيّره بذهاب بصره ، ولم أقف على من عيّره بذلك سوى ابن الزبير في تعريضه به حين قال : ( إنّ ها هنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزعم أنّ متعة النساء حلال من الله ورسوله يفتى في القملة والنملة ، وقد أحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ، وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن وقاه بيده.
____________________
(١) حاشية الفرائد الشنشورية للبيجوري / ١٨ ط مصر.