فأعطيته ما في يدك ، ومنّاك ما في يد غيره ، فكان الذي أخذهُ منك فوق الذي أعطاك ، وكان الذي أخذتَ منه دون ما أعطيته ، وكلٌ راضٍ بما أخذ وأعطى ، فلمّا صارت مصر في يدك تتّبعك بالنقص عليك والتعقّب لأمرك ، ثم بالعزل لك ، حتى لو أنّ نفسك في يدك لأرسلتها ، وذكرتَ يومك مع أبي موسى ، فلا أراك فخرتَ إلا بالغدر ، ولا منّيت إلاّ بالفجور والغش ، وذكرت مشاهدك بصفين ، فو الله ما ثقلتَ علينا يومئذ وطأتك ، ولا نكأت فينا جرأتك ، وإن كنت فيها لطويل اللسان وقصير السنان ، آخر الحرب إذا أقبلت ، وأوّلها إذا أدبرت ، لك يدان ، يد لا تقبضها عن شرّ ، ويد لا تبسطها إلى خير ، ووجهان ، وجه مؤنس ، ووجه موحش ، ولعمري إنّ من باع دينه بدنيا غيره لحريً أن يطول حزنه على ما باع وأشترى. أما إنّ لك بياناً ولكن فيك خَطل ، وإنّ لك رأياً ولكن فيك فشل ، ولك قدر وفيك حسد .. وإنّ أصغر عيبك فيك لأعظم عيب في غيرك.
فقال عمرو : أما والله ما في قريش أحد أثقل وطأة عليّ منك ، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك ) (١).
أقول : إنّ قول ابن عباس لعمرو : ( إنّك بعت دينك من معاوية ... ) إلى آخر كلامه الذي تابع فيه مزاعم عمرو في إطرائه لمعاوية وبني أمية ، وتناوله بني هاشم ثم ذكر مشاهده بصفين ، ويوم أبي موسى ، لم يرد فيه الردّ على إطراء
____________________
(١) البيان والتبيان للجاحظ ٢ / ٢٣٩ ، العقد الفريد٢ / ٤٥٩ ، التذكرة الحمدونية ٧ / ١٩٦ ، نثر الدر للآبي أيضاً.