نطقُوا ، وما عددتُ مجدّاً كمجد أوَّلنا ، ولا كان فيها مجد لغيرنا ، إلاّ في كُفْر ماحقٍ ، ودينِ فاسقِ ، وضُلّةِ ضالة في عشواءَ عمياء ، حتى إختار لها اللهُ نوراً ، وبعث لها سراجاً ، فأخذه طيبّاً من طيّب ، لا يُسَبُّ بمسَبَّةٍ ، ولا تغولُه غائلةُ. فكان أحدَنا وولدَنَا وعمَّنَا وابن عمِّنَا ، ثم إنَّ السابقين إليه لَمنَّا اللسان ، ثم إنَّا لخير الناس بعدَهُ صلى الله عليه وآله وسلم أظهرُهم أدبَاً ، وأكرمُهم حسبَاً ، والعجَبُ عجبَاً ، أنّ ابن الزبير يعيبُ أوَّلاً وآخرّاً من كان له لسانٌ نطق ، كذبَ أو صدق. متى كان عوَّامُ بن خويلد يطمع في صفيَّة ، لقد جلست الفرسُ بغلاً ، أما والذي لا إله غيره إنّه لمصلوّبُ قريش ، وإنّه لأُم عَفّي تَغْزِلُ من إستها ، ليس لها سوى بيتها. قيل للبغل : مَن أبوكَ يا بغل؟ قال : خالي الفرس ) (١).
وبهذه المحاورة ننهي صفحة إحتجاجات ابن عباس رضي الله عنه التي إفتتحها مع الذين تعاقبوا على الحكم ، ثم مع الذين شايعهم وتابعهم كأصحاب الجمل ، ثم مِن بعدهم معاوية وبني أميّة وابن العاص ، وأخيراً مع ابن الزبير ، فكانت مواقفه مع جميعهم تنبئ عن صدق إيمان ، وشجاعة قلب ، وقوّة حجة ، عزّ نظيرها ، إن لم يكن هو الفذّ بكلّ ما لهذا الوصف من معنى.
وبهذا نختم الجزء الرابع من الحلقة الثانية من ( موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ) ونرجئ بقية إحتجاجاته إلى الجزء الخامس ونلحقها بما ورد عنه من مفردات الكِلَم في ( جوامع ) الحِكَم.
نسأل الله تعالى التيسير فهو على كلّ شيء قدير.
|
تمّ تبييضه في يوم الجمعة ١٦ شهر رجب المرجب ١٤٣٠ هـ |
____________________
(١) أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ / ١٢٩ ، جمهرة العرب لأحمد زكي ٢ / ١٢٠.