قالوا : لمّا هَمَّ عبدُ الله بن الزبير بما همَّ به من أمرِ بني هاشم وإحراقهم وإنّه كان ذلك من ولايتهِ على رَأس خمسِ سنين ، لم يذكر رسولّ الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهن بحرفِ في خطبة ، فعُوتب على ذلك.
فقال : ( واللهِ ما تركتُه علانيةً إلاَّ أن أكونَ أقولُه سرَّاً ، وأكثَر منه ، ولكن رأيتُنِي إذا ذكرتُه طالتْ رِقابُ بني هاشمٍ ، واشرأبَّت ألوانهم ، ولم أكُن لأذْكُرَ لهم سرورّاً وأنا أقدر عليه.
ثم صعد المنبر ؛ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس ، إنّي حاظر لهم حظيرة ، فمضرمُها عليهم نارّاً ، فإنّي لا أقتلُ إلاّ آثماً كفَّارَاً أفَّاكاً سَحّاراً ، والله ما رضيَ بهم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم خَفَراً ، ولا تَرَكَ فيهم خيراً ، ولا رضيهم لولايةٍ ، أهل كذبٍ استفرغَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صِدْقهم.
فقام إليه محمد بنُ سعد بن أبي وقاص ، فقال : وفقكَ الله يا أمير المؤمنين ، فأنّا أوّل من أعانكَ عليهم.
وقام عبدُ الله بن صفوانَ ، فقال : يا ابنَ الزبير ، أيمُ اللهِ ما قلتَ صواباً ، ولا هممتَ برُشْد ، أرهط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعيبُ ، وإياهم تقتُل ، والعرب حولَكَ؟! والله لئن لم ينصرهم الناسُ لينصرنَّهمُ الله منك.
قال : فقال ابن الزبير : اجلس يا أبا صفوان ؛ فإنّك لست بنَامُوسٍ.
وبلغ الخبرُ عبد الله بن العباس ؛ فخرج يتوكأ على يد ابنه حتى دخل المسجد ، فقصد قَصْدَ المنبر ، فقال : أيُها الناس ، إنّ ابن الزبير يقول : أن لا أوَّل ولا آخر لرسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فواللهِ إنَّ أوّلَ من ألَّف الإلف ، وأجاز عِيَرات قريش لهاشمٌ ، وما شدَّتْ بعيراً لسفرٍ ، ولا أناختْ بعيراً لحضَرٍ إلاّ بهاشم ، وإنَّ أوَّلَ مَنْ سقَى بمكة عذباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ، ثمَ لقد نشأتْ ناشئتُنا مع ناشئتهم ، فإنْ كنَّا لَقالتهم إذا قالوا ، وخطباؤُهم إذا