ولا بد لنا من وقفة قصيرة عند مقدمة هذه الخطبة إذ يقول الراوي : ( بينا ابن عباس رحمه الله يخطب عندنا على منبر البصرة إذ أقبل على الناس بوجهه ، ثم قال ... ).
فنقول :
بماذا كان يخطب ابن عباس؟
وما هي خطبته تلك التي أعرض عنها الراوي فلم ينقل لنا ألفاظها؟
وإذا كان يخطب فإلى أيّ جهة كان وجهه؟ حتى يقول الراوي : ( ثم أقبل على الناس بوجهه ). فهل كان مطرقاً برأسه إلى الأرض ، أو رافعاً رأسه إلى السماء ، وأراد الراوي أن يلفت نظر السامع والقارئ فقال ذلك كناية للتعبير عن مزيد الإهتمام بما بعده ، فربما كان ذلك وربما كان غير ذلك.
وعلينا أن نكون صريحين في تعبيرنا وأحراراً في تفكيرنا ، ونقول : إنّ هذه الخطبة هي سياسية أكثر من أن تكون وعظية ، بما قدّم لها الراوي ما يشعر بفيض جوّها حمماً ، وتطفح ألفاظها ألماً وبرماً ، وذلك بما جنته الأمّة على نفسها وبسوء اختيارها ، حتى أضحت متحيّرة في دينها ، تتقاذفها الأهواء والآراء ، وتتنازعها المطامع والمطامح. ولماذا صارت كذلك؟ وهذا ما نقرأه في بيان الحبر ابن عباس رضي الله عنه حين يقسم قسماً براً لا يحنث فيه ، فيقول : ( أما والله لو قدمتم من قدّم الله الخ ... ).
ولكنها الأمّة هي التي ضيعّت حظها ، فأخطأت في سلوكها الطريق