عمر ) رأينا تبادل المصالح تجمع بين المتضادين ، ما داما على إتفاق في بلوغ الهدف المنشود لهما وهو خدمة الإسلام ، مع أنّ لكلّ وجهة هو موليّها ، مع تفصيل مرتّ شواهده ، تستدعي الإتفاق ، فراجع. فكانت حاجة عمر إلى ابن عباس لكفاءته العلمية ، حتى اعترف له بذلك ، فيقول له إذا أعضله أمر : ( غص يا غواص ) ، وقد أخذ ذلك الجاحظ فقال في رسالته نفي التشبيه : ( ولو لم يعرف ـ عمر ـ ذلك ـ نفي التشبيه ـ إلاّ بعبد الله بن العباس وحده كان ذلك كافياً وبرهاناً شافياً ، فإنّ الأعجوبة فيه أربت على كلّ عجب ، وقطعت كلّ سبب ، وقد رأيتم حاجة عمر إليه ، واستشارته إياه ، وتقويمه لعثمان وتغييره عليه ... ) (١).
ولا يبعد أن يكون ابن عباس رأى في تقريب عمر له وأخذ الحكم منه وسيلة تنفيس عن هموم شملت بني هاشم على العموم ، حين رأوه ومن قبله غاصبين لحقوقهم ، بدءاً من الخلافة وإنتهاءً بسهم ذوي القربى وما بينهما من الحقوق المغتصبة ، فكان يسمعه أحياناً ما يغضبه في هذا الشأن كما ستأتي في صفحات إحتجاجه ما يثير العجب ، وكيف قال ابن عباس لعمر : ( فأردد إليه ظلامته ) ولم يردّ عليه عمر إلاّ بمعاذير غير مقنعة ، فدحضها ابن عباس ، كما سنقرأ ذلك.
وأمّا المسألة الثالثة : في معرفة موقف بني هاشم وعلى رأسهم الإمام عليّ عليه السلام من تقريب عمر لابن عباس ، وقبول الثاني بذلك التقريب ، وحضوره عند عمر يعني حضور بني هاشم على أضعف تقدير ، وهو مظهر ينتفع به عمر
____________________
(١) رسالة الجاحظ ١ / ٣٠٠ تحقيق هارون.