وهو عمر بن الخطاب ، ( فمني فيها ـ الناس بخبط وشماس وتلوّن واعتراض ) كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان عمر يغيّر ويبدّل بما جرى على لسانه ، حتى حفظ عبيدة السلماني ، وهو غير متهم عليه بمائة أقضية في الجد ، كلّها ينقض بعضها بعضاً (١) ، ومع ذلك يعترف عمر ويقول : ( قضيت في قضية الجد قضايا مختلفة كلّها لا آلو فيه عن الحق؟ ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها قضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ). فكان ابن عباس يرى في قلّة المفارقات في إمرة المطيبي مع كثرتها في إمرة الأحلافي سبباً في تفضيل الأوّل على الثاني.
أمّا المسألة الثانية : في معرفة الدواعي التي توفرت لدى كلّ من ابن عباس وعمر ، حتى بدأ التآلف يزداد يوماً بعد يوم ، مع الفارق الكبير الكثير بينهما في السن ، فإنّ عمر تولى الحكم وعمره يزيد على الأربعين ببضع سنين ، بينما كانت سنّ ابن عباس يومئذ لم تبلغ العشرين ، مضافاً إلى الشعور بين التفاضل بين البيتين ، فهو من بني هاشم صفوة الخلائق ، وعمر من بني عديّ ، كما أنّ الخلاف بينهما في مسألة إستحقاق الخلافة يوسع شقة التباعد عادة. لكن قراءة عابرة لما مرّ في الجزء الثاني في الحلقة الأولى ( في عهد
____________________
(١) قال عبيدة السلماني : لقد حفظت من عمر بن الخطاب فيها ـ مسألة الجد ـ مائة أقضية مختلفة. المصنف لعبد الرزاق ١٠ / ٢٦٢ ، فقال لابن سيرين متعجباً : عن عمر؟ قال : عن عمر. أخرجه الدارمي في سننه / ٣٨٩ ، البهقي في السنن الكبرى ٦ / ٢٤٢ ، حتى قال السيوطي في الأشباه والنظائر / ١٠١ : وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول ، فإنه يؤدي إلى أنه لا يشقى حكم ، وفي ذلك مشقة شديدة ، فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلّم جرّا.