أمورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الأسد (١) وهو صريح في الأمر والعموم.
ومنها : قولهم (ع) من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه (٢) ، ومعلوم ان الاحتياط في الدين عند أهل الدين واجب كما ان الاحتياط في الدنيا عند أهلها واجب.
ومنها : قولهم (ع) لبعض الزنادقة وان كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا نحن وإياكم شرعا سواء لا يضرنا ما صلينا وصمنا وحججنا (٣) وان كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا (٤) وهذا استدلال على عدم جواز إنكار التوحيد والمعاد وحدوث العالم بوجوب دفع الضرر والخوف عن النفس فصار ذلك دليلا تاما عقليا نقليا لا مجال لحمله على الاستحباب وهو بعينه شامل فما نحن فيه جار في مسئلة التوقف والاحتياط في الأقسام السابقة.
فهذه جملة من الأحاديث تجاوزت حد التواتر بمراتب لأنا أوردنا أكثر من خمسين حديثا وقد صرح علمائنا بأنه قد يحصل التواتر بما دون الخمسة وهو هنا كذلك قطعا عند من عرف أحوال رواتها والكتب المنقولة منها ودلالتها لا تقصر عن دلالة شيء من أدلة الأحكام الشرعية إلا نادرا وتصريحاتها كما رأيت كثيرة ولو تتبعنا كتب الحديث لأمكن جمع أضعاف ما جمعنا وفيما ذكرناه كفاية للمنصف إن شاء الله وليت شعري أي مسئلة فيها أدلة وروايات أكثر وأوضح دلالة من هذه المسئلة.
وأما الوجوه العقلية فمنها ما ذكره الشيخ في العدة وقد تقدمت عبارته وقد عرفت انه منصوص أيضا وحاصله ان دفع الضرر واجب عقلا فان العقلاء يذمون تاركه كما إذا شك أحد في شيء انه غذاء أو سم قاتل فتناوله فان كل عاقل يذمه وهذه المناهي الواردة في الشبهات ونحوها تحتمل الكراهة والتحريم على قولكم
__________________
(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٩٠
(٢) أيضا ج ٣ ص ٣٩٠
(٣) وزكينا. مكان حججنا ـ خ م
(٤) الكافي ج ١ ص ٧٨