خديجة قال : سأل البشير الدهان أبا عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر فقال هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل متكئا على يمينه ولا على يساره فقال : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل متكئا على يمينه ولا على يساره ولكن كان يجلس جلسة العبد.
قلت : ولم ذاك؟ قال تواضعا لله عزوجل (١). فهذا صريح في ان المراد بالاتكاء الميل على أحد الشقين اليمين واليسار فليس من ظنه من عوام الطلبة بل من خواصها وأيضا ما ذكره صاحب النهاية بأن من حمل الاتكاء على هذا المعنى تأوله على مذهب الطب غير سديد فان الصادق عليهالسلام علل تركه بالتواضع لله والخضوع له كما هو دأب العبيد لا كما هو شأن الملوك والمتكبرين انتهى
وأقول : لا يخفى انه لا منافاة بين كلام أهل اللغة وبين كلام الصادق عليهالسلام لأنهم إنما فسروا الاتكاء المطلق وكلام الامام عليهالسلام جاء على مطابقة سؤال السائل والاتكاء في السؤال والجواب مقيد بكونه على اليمين أو اليسار ولا يلزم كون الاتكاء المقيد بمعنى المطلق ولا العكس كما هو واضح بل لا يبعد ان يكون في ذكر القيد اشعار بالاحتياج اليه فيكون المطلق معنى آخر والا لكان القيد مستغنى عنه وهو بعيد لذكره في السؤال والجواب.
ثم ان صاحب النهاية قد جوز الحمل على المعنى المفهوم من الحديث وبالجملة فالحديث المنقول وحده لا ينافي ذلك التفسير ولا يبعد ان يكون عليهالسلام كان يترك الاتكاء بالمعنيين ولا يأتي بواحد من القسمين لا المطلق ولا المقيد وكذا لا منافاة بين التعليلين لأن الأول لعدم التمكن والثاني لجلوسه جلسة العبد ولم يتحقق تساويهما ولا تلازمهما ولو سلم فلا مانع من صحة التعليلين معا إذ اجتماعهما هنا ممكن بل كل فعل من أفعاله عليهالسلام كان له أسباب متعددة وفوائد كثيرة في الدنيا والدين غير ان المصلحة للمكلفين في إظهار العلة المذكورة في الحديث كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
__________________
(١) الكافي ج ٦ ص ٢٧١ ح ٧