ويمكن أن يكون المراد أنّه سواء دام نبعه أم لا ، أو سواء كان قليلا أم كثيرا ، ويمكن إرادة الجميع ، ولكنّ الأوّل أظهر ؛ لأنّ الأخيرين ممّا لا يحتاج فيهما إلى التعميم ؛ لوضوح الجريان مع عدم دوام النبع أو القلة إذا جرى على الأرض ، والخلاف الواقع فيهما إنّما هو في قبول النجاسة والطهر بزوال التغيّر وعدمهما ، لا في صدق الجاري ؛ ولذا فسّر الشارح أيضا في الحاشية : « مطلقا » بالأوّل فقط.
قوله : غير البئر.
فإنّ البئر وإن كان نابعا من الأرض ، إلّا أنّه لا يسمّى في العرف جاريا. ومن أخذ في تعريف الجاري قيد الجريان في الأرض استغنى عن هذا القيد.
قوله : على المشهور.
متعلّق بقوله : « ويطهر بزواله ». أي : يطهر بزوال التغيّر إن كان جاريا ، على القول المشهور. والقول الآخر هو أنّه لا يطهر إلّا بامتزاج الماء الطاهر الخارج من المنبع بالمتغيّر ، ولا يكفي مجرد الزوال. ونسب هذا القول إلى الشهرة ؛ لأنّه أقدح في أدلّته في هذا الكتاب حتّى في الإجماع الذي ادّعاه بعضهم.
وقال في الروض بعد الكلام عليهما : ولا شك أنّ للشهرة ترجيحا ، إلّا أنّ الدليل على مدّعاها غير قائم.
ويمكن أن يكون القول الآخر هو عدم طهر مطلق الجاري بالزوال ، حيث إنّ قوله : « إن كان الماء جاريا » يدلّ على طهر مطلق الجاري بالزوال ، فيقابله القول بطهر دائم النبع أو الجاري الكثير.
وقد يجعل قوله : « على المشهور » قيدا لقوله : « مطلقا » ويقال : إنّ المراد أنّ الطهر بالزوال للنابع المقيّد بالإطلاق إنّما هو على المشهور ، وأمّا في غير المشهور مقيّد بدوام النبع أو بالكثرة.
ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه لو كان كذلك لكان المعنى أنّ كون الماء الجاري هو النابع من الأرض مطلقا على المشهور ، وأمّا على غير المشهور فيعتبر في كونه جاريا الكثرة ودوام النبع ، مع أنّ غير المشهور ليس كذلك ، بل اعتبر في الطهر بالزوال أو عدم النجاسة بمجرّد