وثالثتها : أن يكون هناك قاض منصوب ، فطلب الشريك معه ، على القول بجوازه ، وأمّا مع التعدّد وعلم الإمام وعدم وجود قاض منصوب ، فقيل : لا يمكن استحباب الطلب ؛ لأنّ الإمام لا يترك الواجب حتّى يحتاج إلى طلبه ، بل يلزم عليه نصبه فورا ».
وفيه : أنّه يمكن أن يقال : إنّه ليس فوريا حقيقيا ، فلا ينافي الطلب حينئذ مع أنّه قد يعلم الإمام عدم الحاجة فورا.
ثمّ المراد من المستحب العيني : هو نفس الطلب. وأمّا أصل القضاء فهو قبل إذن الإمام حرام ، وبعده واجب ووجه الاستحباب : أن القضاء أمر له أجر عظيم شرعا ، وطلب ما فيه الأجر يوجب الأجر أيضا.
وقيل : لا يستحب ؛ لما فيه من الخطر ، ولقول النبي صلىاللهعليهوآله لابن سمرة : « انك إن اعطيت الأمارة عن مسألة وكلت (١) إليها ، وإن اعطيت من غير مسألة اعنت عليها ». (٢)
قوله : مع الوثوق من نفسه.
قد يقال بزيادة هذا القيد ؛ لأنّ الكلام في الاستحباب على من كان أهلا وصالحا للقضاء والوثوق من نفسه شرط في الأهليّة والصلاحيّة ، فإنّ من شرائطه العدالة ، وهي موجبة للوثوق من نفسه.
وجوابه : أنّ الوثوق من نفسه ليس شرطا في القضاء ؛ ولذا ينفذ قضاء غير الواثق بنفسه إذا طابق الواقع ، نعم يشترط في التحاكم إلى القاضي وثوق الغير به ، وإلّا لم ينفذ قضاؤه. غاية الأمر أنّه يجب على غير الواثق بنفسه عدم الجور والميل وقهر نفسه عليه ، لا أنّ الوثوق شرط في القضاء ، ولو سلّم كونه شرطا فإنّما هو من الشرائط المقدورة التي يجب على المكلّف تحصيلها كالوضوء ، فلا يتوقّف التكليف بالمشروط وجوبا ، أو استحبابا على وجود الشرط ، فيمكن استحباب الطلب لغير الواثق بنفسه بأن يستحبّ له تحصيل الوثوق به أيضا كما لا يخفى.
قوله : بالقيام به.
أي : بالقضاء. والمراد : القيام على الوجه الصحيح الشرعي.
__________________
(١) وكلتها.
(٢) المسالك ٢ / ٣٥٣.