ينشأ من أنّه برجوعه مع قصد المفارقة لموضع الإقامة والسفر عنه ، يكون قاصداً للمسافة ، فيقصّر من حين رجوعه ، وبذلك جزم جملةٌ من متأخّري أصحابنا ، ومتأخّري المتأخّرين. ومن احتمال البقاء على التمام حتّى يفارق موضع إقامته ، ويصير اعتبارُ قصد المسافة إنّما هو من حيث إنَّه بالإقامة فيه صار في حكم البلد. وهذا هو ظاهر كلام العلّامة رحمهالله في أجوبة مسائل السيّد السعيد مهنّا بن سنان المدني (١).
والمسألةُ خاليةٌ من النص ، والاحتمالان متقابلان ، وإنْ كان للأوّل نوع قوّة ورجحان.
هذا إنْ عزم العود وقصد المسافة.
وأمّا إنْ عزم العود ، ذاهلاً عن السفر والإقامة ، أو متردّداً بين السفر والإقامة ، أتمّ مطلقاً : في الذهاب ، والإياب ، والمكان الذي قصده ، وفي موضع الإقامة بعد الرجوع إليه ؛ عملاً بالصحيحة الدالّة على أنّه بنيّة الإقامة والصّلاة على التمام ، يجبُ البقاء على التمام ، حتى ينشأ سفراً.
والخارج عن محلِّ الإقامة على هذا الحال لم يحصل له قصدُ مسافةٍ ، فيبقى على وجوب التمام. والاحتياطُ في موضعي التوقّف بالجمع بين الفرضين أولى ، بل لا يبعد وجوبُهُ.
وفي المسألة تفصيلات وشقوق عديدة ، لا تليق بهذا الإملاء ، ومَنْ أرادها ، فليطلبها من رسالة شيخنا الشهيد الثاني رحمهالله في المسألة المذكورة ) (٢). انتهى كلامه ، علتْ في الخُلد أقدامُه.
فلينظر المنصفُ إلى حال هذا الفاضل الناقد البصير ، والمحدِّثِ النحرير ، والمتتبّعِ الخبير ، كيف لم يجزم في غير موضع الإجماع ، وهو استئناف الإقامة عشرة أيّام ، بل قرّب وجوب الاحتياط ، بالجمع بين القصر والتمام ، فكيف بأمثالنا يا معشرَ
__________________
(١) أجوبة المسائل المهنّائيّة : ١٣١ ١٣٢.
(٢) انظر : الرسالة الصلاتية الصغرى : ٨٧.