أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ قُصارى ما فيه الدلالة على بركته وفضيلته ، وأمر نوح عليهالسلام بصوم ذلك اليوم من معه من خاصّته دون استحباب صومه في دين نبيّنا صلىاللهعليهوآله وشريعته.
بل لا دلالة فيه أيضاً على استمرار صوم عاشوراء في ملّة نوح وسنّته ، لاحتمال أن يُراد بالمُشار إليه بذلك اليوم خصوص اليوم الذي لزقت فيه السفينة على الجودي ، شكراً لنعمة السلامة من الغرق ، لا لخصوصيّة عاشوراء الذي شبّ في قلوب المؤمنين الحَرَق.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ كثير النوّاء بتريّ عامّيّ غويّ ، تنسب إليه البتريّة اللّئام ، وقد تبرّأ منه الصادق عليهالسلام ، حيث قال عليهالسلام : « اللهمّ إنّي إليك من كثير النوّاء بريء في الدنيا والآخرة » (١).
وقال عليهالسلام أيضاً : « إنّ الحكم بن عيينة وسلمة وكثير النوّاء والتمّار يعني : سالماً أضلّوا كثيراً ممّن ضلَّ من هؤلاء ، وإنّهم ممّن قال الله تعالى ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢) » (٣).
فإذا كان كثير النوّاء بهذا الحال كيف يركن إليه في صدق الحديث والمقال؟!
فلم يبق للمشهور إلّا خبر مسعدة بن صدقة (٤) والقدّاح (٥) ، وهما لا يعارضان تلك الأخبار الكثيرة الصراح المشتملة على بعض الصحاح.
وأمّا استدلال بعض الفقهاء الفضلاء بخبر حفص بن غياث ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله كثيراً ما يتفل يوم عاشوراء في أفواه أطفال المراضع من ولد فاطمة عليهاالسلام من ريقه ، ويقول : لا تطعموهم شيئاً إلى الليل ، وكانوا يروون من ريق رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : وكانت الوحوش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود عليهالسلام »(٦).
فهو استدلال عجيب لا ينبغي صدور مثله عن مثله ، ولا من لبيب ، ولا رسمُهُ في
__________________
(١) رجال الكشي ٢ : ٥٠٩ / ٤٤٠. (٢) البقرة : ٨.
(٣) رجال الكشي ٢ : ٥٠٩ / ٤٣٩ ، وفيه : ( وكثيراً ).
(٤) التهذيب ٤ : ٥٩٩ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٢.
(٥) التهذيب ٤ : ٣٠٠ / ٩٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٣. (٦) التهذيب ٤ : ٣٣٣ / ١٠٤٥ ، وفيه : ( وكانت الوحش ).