والنباهة والنبالة.
فإنّ ظاهر هذه الكلمات الشريفة بل العقود الطريفة تأسيس قاعدة كلّيّة لطيفة ، وهي : إنّ الحزن لم يكن سبباً لاستحباب الصيام في شيء من الأيام ، وإنّ الصوم إنّما يستحبّ في الأيّام التي يتجدّد فيها الفرح والسرور دون الأيام التي يحدث فيها الترح (١) والشرور.
ويؤيّد ذلك الاستقراء التامّ والتتبّع لآثار الأئمّة الأعلام ، فإنّه لم يرد استحباب الصوم في يوم لحزنه ومصيبته ، وإنّما ورد في يوم الفرح لشرفه وفضيلته ، كأيّام ولادات الأئمّة المعصومين والأنبياء والمرسلين ، التي تنكشف عنهم فيها الكرب وينالون فيها المطالب والأُرب. وهكذا سائر الأيّام السعيدة دون أيّام موتهم وأوقات وقوع تلك الآلام بهم وسائر الأيام النكيدة.
حتى إنّه لو اتّفق في اليوم الواحد فرح وتَرح لم يلاحظ في استحباب صومه إلّا سبب الفرح شكراً لما يتجدّد في تلك الأيام من النِّعَم ، أو دفع النِّقَم.
وحيث كان هذا اليوم المشؤوم العبوس ممّا اجتمعت فيه جميع الهموم والغموم والنحوس على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين والشهداء والصالحين إذ صار فيه عَلَم الإسلام منكوساً كان سعده محاقاً وعذبه زعاقاً ، على أنّه سيأتي آنفاً أنّه لم يثبت ورود ما ورد فيه من تلك الفضائل العظائم ، ولم تتحقّق صحّة ما ادّعي فيه من المكارم.
ثمّ إنّ الحصر في قوله عليهالسلام : « ولا يكون إلّا شكراً للسلامة » ؛ إمّا محمول على الغالب الذي عليه مبنى أكثر الأحكام ، فلا ينافيه ما سمعت من استحباب الصيام في سائر الأوقات والأيام التي يحدث فيها ما يقتضي الشكر على تجدّد الإنعام ، هذا إن جعلت ( اللام ) في الصوم جنسيّة أو استغراقيّة ؛ أو على الإشارة إلى أصل ابتداء صومه من أُولئك اللئام إن جعلت عهديّة ذكريّة ، فقد يقال بجواز صومه حينئذٍ مع مخالفة
__________________
(١) التّرح : الهمّ. القاموس المحيط ١ : ٤٤٤ باب الحاء / فصل التاء.