فإنْ قلت : لا منافاة بين القولين ولا تدافع بين المسألتين ، لأنّ المنسوخ إنّما هو الوجوب ، والذي حكموا به إنّما هو الاستحباب ، فلا تناقض ؛ لاختلاف الجهتين.
قلت : هذا أوان دفع الإيراد ، إلّا إنّ دونه خرط القتاد ؛ لحكمهم أيضاً في مسألة نسخ الوجوب بعدم بقاء الجواز والاستحباب ، ولم ينقل الخلاف هناك إلّا عن بعض الأصحاب ، فليس إلّا أن يُجاب بأنّ الجواز المحكوم به هنا ليس هو الجواز الواقع جنساً لفصل الوجوب الذي هو المنع من الترك ليلزم من عدم الفصل عدم الجنس ، بل هو مستفاد من الأدلّة الأُخر الواردة بعد نسخ الإيجاب الحاكمة بالاستحباب.
وحيث قد أثبتنا المعارض القويّ بالاستدلال ، صارت تلك الأخبار في حيّز الاضمحلال ، فبقي النسخ بلا دافع وترك صومه بلا رافع.
وحيث قد تمهّد ممّا ذكرناه وثبت ممّا أصّلناه ضعف دليل القول المشهور وكونه في درجة القصور ، فالأوْلى هو اجتناب الصوم المزبور ولو لقاعدة الاحتياط الذي يؤمن به من الاختباط ويسلك به سواء الصراط ؛ لدوران الأمر حينئذٍ بين الندب والكراهة والتحريم ، وعدم القول بالوجوب فيه والتلزيم ، والاقتصار في ذلك على ما تضمّنته صحيحة عبد الله بن سنان المرويّة في ( المصباح ) و ( الإقبال ) عن الصادق عليهالسلام من الإمساك عن الشراب والطعام ، وسائر المستلذات من غير تبييت نيّة الصيام ، حيث قال فيها :
دخلتُ على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام في يوم عاشوراء فألفيتُه كاسفَ اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ممّ بكاؤك ، لا أبكى اللهُ عينَيك؟
فقال لي : « أوَفي غفلة أنت؟! أمَا علمت أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام أُصيب في مثل هذا اليوم » فقلتُ : يا سيّدي فما قولك في صومه؟
فقال لي : « صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله صوم يوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم انجلت