وإنْ حصل له الشكّ والتردّد ؛ إمّا لإجمال الدليل أو معارضته بغيره ، أو لاشتباه الموضوع ، فالمرجع أنّما هو القواعد الشرعيّة والأصول العمليّة التي وضعها الشارع للمكلّف الشاكّ في مقام العمل ، وهي قاعدة الاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير.
ووجه الانحصار فيها أنّ الشكّ ؛ إمّا أنْ يلاحظ فيه الحالةُ السابقة ، أو لا. والأوّل مجرى الاستصحاب ، والثاني ؛ إمّا أن يكون الشكّ في التكليف ، أو المكلّف به. فالأوّل مجرى الثاني ، والثاني ؛ إمّا أنْ يمكن فيه الاحتياط أو لا. فالأوّل مجرى الثالث ، والثاني مجرى الرابع.
ولكلٍّ من الأصحاب في هذه الموارد خلافات متكثرة وتفاصيل منتشرة ، مَنْ أرادها فليطلبها من مظانّها ، الّا إنّ ما ذكرناه هو الحقّ في مجاري هذه الأصول ، كما اختاره جملةٌ من الفحول.
ولا يخفى أنّ ما نحن فيه من قبيل العلم بالتكليف والشكّ في المكلّف به ، والحقّ فيه ما اختاره جملةٌ من مشايخنا وعلمائنا من تحكيم أصل الاحتياط ، الذي يُؤْمن به من الاختباط ويُسلك به سواء الصراط ، لا ما اختاره البعضُ (١) من تحكيم أصل البراءة ، لوجوه ليس هذا محلّها.
إلّا إنّ الاحتياط تارةً يكون بالتزام الفعل ، وتارةً بالتزام الترك ، وتارةً بالجمع بين الأفراد المتعدّدة ولو توقّف على تكرار العبادة المتّحدة ، كما إذا تردّد المكلّف به بين أمرين أو أمور يحتمل التكليف بجميعها ؛ إمّا لإجمال الدليل من أصله ، أو طريان الإجمال عليه بعد تعيينه ، أو اشتباه موضوعه ، أو تردّده بين الشرطيّة والمانعيّة ، أو الزيادة والجزئيّة كتردّده بين الركعتين والأربع في يوم الجمعة ، وبين القصر والتمام في بعض المواضع ، وتردّد القبلة بين الجهات الأربع ، وتردّد الفائتة بين صلوات لا يعلمها بعينها ، وتردّد البسملة في الأخيرة والأخيرتين بين الجهر والإخفات ، وتردّد الجزء المتيقّن الترك بين اثنين أو أكثر ، .. إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تُحصر.
__________________
(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٩.