تعلّق الشكّ بنفس التكليف ، وأمّا إذا تعلّق بخصوصيّة المكلّف به ، فلا وجه لجريان الأصل المذكور فيه على كلِّ الوجوه.
وتفصيل الكلام فيه : إنّ ما تعلّق التكليف به قد لا يتعيّن عند المجتهد ، فيكون دائراً بين أمرين أو أمور عديدة ، يتعذّر عليه تعيينُهُ بعد بذل وسعه ، وقد يتعيّن المكلّف به عنده إلّا إنّه يتعذّر عليه تفسيره وتعيين حقيقته ، وعلى كلٍّ منهما ؛ فإمّا أنْ يندرج أحدُ الوجهين أو الوجوه في الباقي ، أو لا. ثمّ مع تكثّر الوجوه ؛ إمّا أن تنحصر الاحتمالات بحيث يمكن اليقين بالامتثال بالجميع ، أو لا.
وتوضيح الحال فيها : إنّه إذا دار التكليف بين أمرين غير متداخلين ، أو أمور مختلفة كذلك ، مع إمكان الإتيان بالجميع ، قضى ذلك بلزوم الإتيان بها أجمع ؛ لاقتضاء اليقين بالشغل اليقين بالفراغ ، ولا يحصل بدون التكرار والإتيان بجميع المحتملات.
واحتمالُ سقوط التكليف بمجرّد ذلك مع كونه خلاف الأصل ممّا لا وجه له ؛ لإمكان تفريغ الذمّة بما قلناه.
ومع القول ببقاء التكليف لا وجه للتّرجيح مع انتفاء المرجّح ، ولا التخيير ، فيتعيّن طريق الجمع المحصّل لليقين بالفراغ ، وكذا الحال إذا تعيّن المتعلّق ، لكن طرأ الإجمال ودار بين أمرين أو أمور ) (١) .. إلى آخر كلامه ، زيد في إكرامه.
وبمثل هذا الكلام صَرّح غيرُ واحدٍ من الأعلام ، كصاحب ( الفصول الغرويّة ) (٢) ، والشيخ المرتضى في ( الفرائد الأصولية ) (٣) ، والعلّامة المحقّق الخونساري رحمهالله في ( شرح الدروس ) في بعض كلماته وإنْ خالف في بعض صور القاعدة ، كالتردّد الحاصل من تعارض الدليلين أو اختلاف الفتويين ، حيث لم يوجب الجمع في تين الصورتين.
بل ظاهر الميرزا القمّي في ( القوانين ) مع إجرائه أصل البراءة في أكثر صُوَر القاعدة وجوبُ الجمع أيضاً في بعضها ، فإنّه بعد أنْ حكى عن الخونساريّ
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٤٢١.
(٢) الفصول الغروية : مبحث البراءة / المقام الثاني. ( طبعة حجرية غير مرقمة ).
(٣) فرائد الأُصول ٢ : ٥٠٢ ٥٠٣.