شرعي إلى أحد الفردين اجتهاداً أو تقليداً معتبرين وجبَ عليه اتّباعه.
ومَنْ تردّد ولم يجزم بأحد الأمرين ؛ فَمَنْ أجرى أصل البراءة لم يُوجِب الجمع بين الكيفيتين ، ومَنْ أجرى أصل الاحتياط أوجب الجمع بتكرارِ الصلاة أو البسملة مرّتين.
فإن قيل : كيف يجتمع هذا مع القول باشتراط القَصْد والتعيين ، ونيّة الوجه في صحّة العبادة ؛ لاحتمال كون المأمور به واقعاً ما أتى به بقصد القربة ، فيستلزم الإخلال بنيّة الوجه المعتبرة في الصحة؟.
قلنا : أوّلاً : إنّ هذا المقدار من المخالفة للاحتياط ممّا لا بدّ منه قطعاً.
وثانياً : إنّ نيّة الوجه فيما يؤتى به احتياطاً ساقطةٌ إجماعاً حتّى من القائلين باعتبار نيّة الوجه ؛ لأنّ لازم قولهم باعتبار نيّة الوجه في مقام الاحتياط لغويّته وعدم مشروعيّته ، ولم يلتزمُه سوى ابن زهرة في ظاهر غُنيته (١).
وثالثاً : إنّا نمنع عدم تحقّق الإطاعة بدون الوجه ؛ لقطع العقلاء بتحقّقها ، وعدّهم الآتي بالمأمور به بنيّة الوجه الثابت عليه في الواقع مطيعاً وإنْ لم يعرفه تفصيلاً.
ورابعاً : إنّ لمقام الاحتياط طريقاً آخر ، وهو قصد القربة المطلقة الشاملة لوجوه المكلّف به ، المختلفة باختلاف أحوال المكلّف ، من غير قصد الوجه الواقعي المعلوم للفعل إجمالاً.
فإن قيل : هذا أنّما يتمُّ على القول بسقوط اعتبار نيّة الوجه في مقام الاحتياط ، وأمّا على منعه فبأيّ الفردين ينوي الوجوب والقربة؟.
قلت : قد ذكر الأصحاب فيه حينئذٍ طريقين :
الأوّل : أنْ ينوي بكلٍّ منهما حصول الواجب به أو بصاحبه تقرّباً إلى الله ، فيفعل كلّاً منهما ، فيحصل الواجبُ الواقعي ، وتحصيله لوجوبه والتقرّب به.
وثانيهما : أنْ ينوي بكلٍّ منهما الوجوب والقربة ؛ لكونه مأموراً بالإتيان بكلٍّ منهما ، إلّا إنّ الأوّل أوْلى.
__________________
(١) الغنية ( ابن زهرة ) ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ٢ : ٣٨٤.