الشكّ في الواجب المردّد بين فردين أو أكثر لإجمال الخطاب ، لما مرّ عليه الاستدلال مشفوعاً بالقيل والقال.
وأمّا لو قلنا بدخولها تحت قاعدة الشكّ في الواجب لدوران الأمر فيه بين الشرطيّة والمانعيّة ، أو الزيادة والجزئيّة ، فلا يتعيّن الاحتياط بالجمع والتكرار ، بل يحتمل التخيير بين الكيفيّتين كما احتمله أيضاً بعضُ علمائنا الأبرار.
أمّا على إجراء أصالة البراءة عند الشكّ في الشرطيّة والجزئية فظاهرٌ بلا مرية لذي رويّة ؛ لأنّ المانع من إجرائها ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة ، وغاية ما يلزم هنا المخالفةُ الالتزاميّة ؛ لعدم انفكاك العبادة عن واحدٍ من فعل ذلك الشيء وتركه ، ولأنّ قصارى ما علم ترتّب العقاب على تركه أنّما هو الأجزاء والشرائط المعلومة الجزئيّة والشرطيّة ، دون المتردّدة بين الفعل والترك.
وأمّا على إجراء قاعدة الشغل ؛ فلتخصيص أدلّة الأجزاء والشرائط بحالِ العلم ؛ لاستلزام التعميم لحالة الجهل إلغاء شرطيّة الجزم بالنيّة ، واقتران الواجبات الواقعيّة بنيّة الإطاعة بها من حيث الخصوصيّة.
إلّا إنّه لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف والاضمحلال :
أما أوّلاً ؛ فللالتزام بقبح المخالفة الالتزاميّة كالعمليّة.
وأمّا ثانياً ؛ فلعدم الفرق في استحقاق الذمّ بين ترك الأجزاء والشرائط المعلومة والمتردّدة.
وأمّا ثالثاً ؛ فلأنّ مرجع الشكّ هنا إلى المتباينين ؛ لمنع جريان أدلّة نفي الجزئيّة والشرطيّة عند الشكّ في المقام المذكور.
وأمّا رابعاً ؛ فللالتزام بإلغاء الجزم بالنيّة ، ولا ضير فيه ، وإلّا لما وجب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، والجهات الأربع ، وتكرار الوضوء بالماءين عند اشتباه المطلق بالمضاف مع وجودهما ، والجمع بين الوضوء والتيمّم مع فقد أحدهما.
فعليك بالتأمّل التامّ في هذا المقام ، فإنّه من مزالّ الأقلام ومزالق الأقدام ، وطالما انتصلت فيه سهامُ النقض والإبرام بين علمائنا الأعلام.