المادية ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) (١).
لقد جسّد هذا المقطع القرآني جانباً من لجاجة وتعنت بني اسرائيل وتلكؤهم في الاستجابة ، واصطناع المعاذير بوجه الخطاب الرسالي وأوامر الغيب الإلٰهي ، وقد شهد هذا المجتمع آنذاك إنزال النِعَم والتأييدات الالهية ، لكنه « للأسف » سرعان ما نكث العهود ونقض المواثيق وانطلت عليه لعبة « السامري » وأمثالها حتىٰ استحال إلىٰ مادة للمكر والخداع.
فهذه النعم اذن لم ترتفع بهم الىٰ مستوىٰ القضية التوحيدية ما داموا يعيشون منطلقات تغاير مبادئ هذا النداء الالهي ، فقد طغت عليهم مقاييس الربح والخسارة ومديات النفع والضرر ، وبالتالي ظهرت في تعاملهم مع هذا النور التوحيدي الجديد أمراض الاستعصاء والنفرة بدلاً من الطاعة والامتثال ، وبهذا التشدد وعدم الطاعة شدّد الله عليهم ، فألجأهم الىٰ بقرة وحيدة في أوصافها ونعوتها ، ولولا عنادهم ولجاجتهم هذه لاستطاعوا اختيار أية بقرة شاؤوا.
عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : « إن رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابةً له ، ثمّ أخذه فطرحه علىٰ طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ، ثمّ جاء يطلب بدمه فقالوا الموسىٰ عليهالسلام : إن سبط آل فلان قتل فلاناً ، فأخبرنا من قتله ؟ قال : ائتوني ببقرة ( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ولو عمدوا إلىٰ بقرة أجزأتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم
_______________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٧١.