يُؤْفَكُونَ ) (١).
لم تكن الكلمة التي أطلقها شيخ المنافقين عبد الله بن أُبي بعد واقعة بني المصطلق ، علىٰ أثر نزاع بين شخص من الأنصار وآخر من المهاجرين ، كلمة فحسب بل معبّر عن واقع فكري منحرف ونفس محشوّة بالخبث والنفاق ، وكان يقصد بها فرقة المسلمين وضرب الصف المسلم الذي يعايش حالة من الانتصار والغلبة علىٰ أعداء الإسلام.
لقد قال شيخ المنافقين : « سمَّن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلىٰ المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل » (٢) وكان يقصد بذلك اللمز بالمهاجرين ، وعزمه علىٰ إخراج الرسول صلىاللهعليهوآله من المدينة ، فأخبر الشاب الغيور زيد بن أرقم رسول الله صلىاللهعليهوآله بما حصل ، وبعد ذلك راج التحريف وأخذ الرهط المنافق بالتشكيك في شخصية زيد بنأرقم من أجل حكاية شيخهم ابن أُبي ، ودفع ما قيل عن فضائحه ، حتىٰ نزلت هذه الآيات ، وأخبر الرسول صلىاللهعليهوآله فافتضح أمر المنافقين ، وتعززت مكانة زيد بن أرقم وأثمر صبره ، وحظي بحب المؤمنين ، وكبرت ثقته في مجتمع رسول الله صلىاللهعليهوآله.
إن الذي يلفت الانباه هو أن هذا الطابور لا يتوقف علىٰ مرحلة زمنية معينة ، وله قابلية الانتشار في أية بقعة تستكمل شروط النشأة والتطور لهذا الوجود المنافق المشؤوم في المجتمع ، وقد يتزعم مثل هذا التيار الخطير رجال وجماعات من مقدمة القوم الذين صودرت بعض صلاحياتهم ،
_______________________
(١) سورة المنافقون : ٦٣ / ٤.
(٢) راجع : تفسير القمي ٢ : ٣٦٨.