بين أجزاء العلّة الترتّب قهرا ، ولذا يقال : إنّ الجزء الأخير هو العلّة التامّة ، أي هو ما به يتمّ تماميّة العلّة ويوجد أثرها ، ومن المعلوم أنّ أجزاء العلّة المقتضي مقدّم على شروطها ، وكذا الشروط مقدّم على المانع.
لا يقال : إنّه ليس بين المعلول والعلّة إلّا تخلّل «فاء» واحد ، وما ذكرت يقتضي أن يكون بينها وبين العلّة إذا كانت مركّبة تخلّل فاءات وتأخّرات ، وهذا خلاف التحقيق.
لأنّا نقول : عدم تأخّر رتبة المعلول عن العلّة إلّا بمرتبة واحدة لا ينافي الترتّب بين أجزاء العلّة إذا كانت مركّبة من امور تدريجيّة ، فإنّ من البديهة أنّه إذا كان السلّم ـ مثلا ـ علّة للذهاب على السطح لا يتخلّل بين الكون عليه والسلّم إلّا فاء واحد ، مع أنّ بين درجات السلّم ترتيب ، والطفرة محال ، والسرّ في ذلك ما أشرنا إليه من كون الجزء الأخير هو العلّة.
والحاصل ؛ أنّ الترتيب بين المعدّات إنّما هو من الواضحات ، فقد تبيّن بذلك محاليّة جعل الضدّ مانعا ملاكا ، كما أنّ بذلك بيّنوا عدم كون الضدّ مقدّمة وعلّة للآخر ، فإنّهما إنّما يكونان معلولا للعلّة الثالثة ، والضدّ وعدمه إنّما يكونان في رتبة واحدة ، مع أنّ المقدّمة والعلّة مقدّمة على المعلول رتبة ، ومنشأ التوهّم أنّه لمّا لا يجتمع الشيء مع ضدّه في الوجود ، ويكون وجود كلّ واحد منهما مساوقا لعدم الآخر توهّمت المقدّمية ، وإلّا لو كان كما توهّم يلزم الدور كما هو واضح ، وأمّا عدم جواز الجعل خطابا ، للزوم اللغويّة ، وأمّا أثرا ، لكونه تحصيلا للحاصل.
الأمر الثالث : الّذي يستظهر من جملة من الأخبار كون غير مأكول اللحم