لا إشكال أوّلا ؛ أنّ بالنسبة إلى معناه العرفي ليس له مفهوم معيّن بل هو يختلف من حيث الموارد جدّا ، إذ اعتبار الجار في العقود الصغيرة غير اعتباره بالنسبة إلى الدور الواقعة في الشوارع والجوادّ العظيمة ، كما أنّ اعتباره من حيث نفس الدور من جهة الصغر والكبر يختلف كثيرا ، فحينئذ اجتماعه مع التحديد الشرعي ـ وهو أربعين ذراعا وتصادقهما ـ نادر غايته ، فلذلك يشكل الأخذ بالحدّ الشرعي وطرح المعنى العرفي رأسا.
إلّا أن يقال : إنّه من هذا الاختلاف الكثير في المفهوم العرفي ومصاديقه نشأ التحديد الشرعي ، كما في غيره من الموارد ، فإنّ الشارع العالم بالواقع لمّا رأى الاختلاف فقد حدّد وعيّن المصداق الواقعي.
ثمّ إنّه بالنسبة إلى التحديد الشرعي أيضا ؛ يقع البحث في أنّه [هل هو] إخبار عن الواقع وتعيين لما هو المصداق الواقعي ، حيث إنّه ما من مفهوم إلّا له مصاديق مشكوكة حتّى بالنسبة إلى نفس الواضع من حيث الشكّ في حدّ المفهوم المسمّى بالشكّ في الصدق الملحق بالشبهة المفهوميّة ، فلذلك ؛ الشارع العارف بالواقع يعيّن ماله من الحدّ الواقعي ، أم لا ، بل هو تنزيل شرعي كسائر التنزيلات ولا نظر إلى الواقع أصلا؟ وقد التزم بذلك بعض من عاصرناه قدسسره فقال : على هذا لا مجال للأخذ بالتحديد الشرعي في غير الآثار الّتي نفس الشارع رتّبها على الموضوع (١) مثل ما ورد في رعاية حقّ الجار وغيره (٢).
وفيه : أوّلا : أنّ الظاهر من هذا التحديد ـ كما في غيره من الموارد ، مثل
__________________
(١) لم نعثر على هذا القول.
(٢) وسائل الشيعة : ١٢ / ١٢٨ الباب ٨٧ من أبواب أحكام العشرة.