فانقدح بما ذكرنا ؛ أنّ الإتلاف معنى عرفيّ ليس فيه اصطلاح ؛ صدقه متوقّف على نظر العرف ، وصحّة الاستناد عند أهله ومصاديقه مختلفة ، فقد يصحّ الاستناد بإيجاد شرطه ، وقد يستند بإيجاد سببه ، كما أنّه يصحّ الاستناد بمباشرة الإتلاف ، فهذه كلّها مصاديق للإتلاف يتوقّف صدق النسبة بها على مساعدة العرف بلا أن يكون لأحدهما اصطلاح شرعيّ حتّى يكون لها موضوعيّة ، فيبحث عنها لاستكشاف المعنى الاصطلاحي لها ، كما لا يخفى ، بل إنّما الباحث عنها إنّما يبحث لتعيين مصداق الإتلاف وتحديده عرفا.
فمن ذلك كلّه ؛ ظهر النظر في ما في كلام صاحب «الجواهر» قدسسره في المقام (١) ، حيث اعترض على الأصحاب لتعرّضهم في تعيين معنى السبب بأنّه لا فائدة في هذا التعرّض ؛ لعدم ورود هذا اللفظ في النصّ ، ولا ثمرة في تحديد الضابط به ، بل الضابط إنّما هو يستفاد من الأخبار.
وجه النظر ؛ أنّه قد عرفت أنّه ليس تعرّض الأصحاب لتحديد السبب بلحاظ معناه الشرعي والتزامهم بموضوعيّته ، بل لأنّه كما أنّه لم يرد به نصّ ، كذلك لم يقع لفظ المباشر والتلف أيضا في نصّ ، ولما رأوا إنّما هو ملاك للضمان في كلمات السلف ومعاقد الإجماعات ليس إلّا عنوان التلف ، ولا ينطبق على معناه العرفي ما يستفاد من ملاك الضمان من ظواهر بعض الأخبار (٢) ، مع عدم كون هذه الأخبار صريحة في تحديد ضابط الضمان مختصّا بما لهجت به ، فبمقدّمات عدم الردع استفادوا كون الملاك عنوان الإتلاف وما استقرّ عليه بناء
__________________
(١) جواهر الكلام : ٣٧ / ٥٠.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٩ / ٢٤١ الباب ٨ و ٩ من أبواب الضمان.