والحال أنّ الآية لا تدلّ على بطلان ما زعمه من ذهاب النبيّ إلى المناجاة ؛ فإنّها لا تدلّ على موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا اليوم الذي مات فيه!
ومَن أنصف وعرف بعض أحوال عمر صدّق بما قلناه.
ثمّ إنّ عدم حضور أبي بكر عند وفاة النبيّ ـ وهو يعلم أنّه على خطر الموت ـ مُستغرَبٌ بحسب العادة ، ولكن لا غرابة فيه عند مَن عرف الحقيقة ، بل يجعله قرينةً على ما حقّقناه سابقاً ، من أنّ أبا بكر قد صلّى بالناس صبح الاثنين يوم وفاة النبيّ بغير رضاه ، فلما علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج يجرّ رجليه من المرض ونحاه (١).
فذهب أبو بكر إلى منزله بالسُّنح (٢) ؛ فراراً من مواجهة النبيّ له بما يكره.
ولمّا صلّى رسول الله لم يجده ، وقال : «سُعّرت (٣) الفتن» ، كما سبق
__________________
ورواه بلفظ آخر في دلائل النبوّة ٧ / ٢١٨ ، أنّ عمر قال : هذه الآية في القرآن؟! واللهِ ما علمتُ أنّ هذه الآية أُنزلت قبل اليوم!
نقول : إنْ كان عمر صادقاً بدعواه تلك ، فكيف رضي أبو بكر أن يستخلف جاهلا بالدين لم يقرأ القرآن؟!
وإنْ كان كاذباً ، لم يؤمَن منه أن يكذب في غيرها ، فكيف استخلف أبو بكر على الأُمة رجلا كاذباً؟!
(١) راجع : ج ٦ / ٥٥٩ وما بعدها ، من هذا الكتاب.
(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٢٣١ و ٢٣٢ ، تاريخ دمشق ٢ / ٥٦ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣٦ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٤ ـ ١٨٦.
(٣) سَعرَ النارَ والحربَ يسعرُهُما سَعْراً ، وأَسعرَهُما وسَعرَهُما : أوقدهما وهَيّجهُما ، واستَعرَتْ وتَسَعرَتْ : استوقدت ، وسُعرَت ـ بالتشديد ـ للمبالغة ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٢٦٦ مادّة «سعر».