المناجاة وهو مسجّىً بينهم؟!
بل لا أرى ذلك منه إلاّ مكراً وكيْداً ؛ فإنّه يعلم أنّ الهاشميّين وبعض الصحابة كسلمانَ ، والمقدادِ ، وأبي ذرّ ، وعمار ، وحذيفة ، ونحوهم (١) ، يريدون بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فخاف أن يبايعوه ويتّبعهم الناس ؛ لسبق أمر الغدير ، فادّعى أنّ النبيّ ما مات ؛ ليشغل الناس وقتاً ما بهذا الكلام ، فيحصل لبيعة عليّ (عليه السلام) تأخير حتّى يأتي أبو بكر من منزله بالسنح (٢) ؛ ليُعمِلا رأيهما ، ويَمضيا على ما أبرماه وأصحابهما في الصحيفة من منع أمير المؤمنين (عليه السلام) خلافته.
ولمّا حضر أبو بكر لم يسعه العدول من مقالته دفعةً ، بل بقي يتكلّم إلى أن قرأ أبو بكر قوله تعالى : (وما محمّد إلاّ رسول) الآية ، فأظهر المغلوبيّة ، وزعم كأنّه لم يسمع الآية (٣)!
__________________
(١) كالزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، والبراء بن عازب ، وأُبَيّ بن كعب ، وخالد بن سعيد بن العاص.
انظر : الإمامة والسياسة ١ / ٢٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٢٧٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٤ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٦ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٦٩.
(٢) السنحُ ـ بضمّ أوّله وسكون ثانيه وآخره حاء مهملة ـ : هي إحدى محالّ المدينة كان بها منزل أبي بكر ، وهي في طرف من أطراف المدينة ، بينها وبين منزل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ميل.
انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٠١ رقم ٦٦٧٥.
(٣) روى ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٥ ، أنّ عمر قال لأبي بكر ـ بعد أن قرأ أبو بكر الآية المذكورة ـ : هذا في كتاب الله؟! قال : نعم.
وروى البيهقي في دلائل النبوّة ٧ / ٢١٥ ، أنّ عمر قال : أفي كتاب الله هذا يا أبا بكر؟! قال : نعم.