ولو سُلّم عدم التخصيص وقلنا بلزوم النسخ ، فالمتعيّن نسخُ آية الحفظ ؛ لأنّها مكّية (١) ، وآية المتعة مدنيّةٌ (٢) ؛ ولِما سبق من الأخبار المصرّحة بهذا (٣).
فإن قلت : روى الترمذيُّ (٤) أنّ آية الحفظ هي الناسخة ؛ لروايته عن ابن عبّاس أنّه قال : «إنّما كانت المتعة في أوّل الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدةَ ليس له بها معرفةٌ ، فيتزوّج المرأةَ بقدر ما يرى أنّه يقيم ، فتحفظ له متاعه ، وتصلح له شيئَه ، حتّى إذا نزلت الآية (إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (٥) قال ابن عبّاس : فكلُّ فرج سواهما فهو حرام».
قلتُ : لا ريب بكذب هذه الرواية ؛ لِما سبق ؛ ولمخالفتها للمعلوم من قول ابن عبّاس بالحلّية ، وللمعروف من كماله ، فإنّ من له أدنى معرفة لا يدّعي أنّها ليست بزوجة لمجرّد انتفاء بعض الآثار عنها ، أو بزعم عدم صدق الزوجة عليها ، والحال أنّها إنّما تُستباحُ بعقد النكاح.
على أنّ هذه الرواية ضعيفةٌ عند القوم أنفُسِهم ؛ لاشتمال سندها على موسى بن عبيدة الذي عرفتَ بعض ترجمته في مقدّمة الكتاب (٦) ، فلا تقاوم الأخبار المصرّحة بأنّ آية المتعة غيرُ منسوخة ، مع أنّ ظاهر الرواية إنّما يناسب كثرةَ المسلمين في أوّل الإسلام ، وحاجتهم إلى المتعة ،
__________________
(١) انظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ١٩٣ ، الإتقان في علوم القرآن ١ / ٣١.
(٢) انظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ١٩٤ ، الإتقان في علوم القرآن ١ / ٣١.
(٣) راجع الصفحة ٢٨٩ وما بعدها ، من هذا الجزء.
(٤) في باب ما جاء في نكاح المتعة [٣ / ٤٣٠ ح ١١٢٢]. منه (قدس سره).
(٥) سورة المؤمنون ٢٣ / ٦.
(٦) راجع : ج ١ / ٢٥٤ رقم ٣١٥ ، من هذا الكتاب.