رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لأنّ أصله ـ وهو الإعلان بالأذان وتشهيره ـ مأخوذٌ من استحباب الشرع ، وموافقٌ للأُصول الدينية.
وهذه البدعة قد تكون مستحبّة ، وقد تكون مباحة ، كما صرّح به العلماء (١).
فقول عمر : «بدعةٌ ونِعْمَتِ البدعةُ» ؛ أراد به : أنّه لم يتقرّر أمرها في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا لا ينافي كونها معمولة في بعض الأوقات ، فاندفع اعتراضُ المرتضى عن قاضي القضاة.
وأمّا ما ذكره من أنّ أمير المؤمنين منعه في أيّام خلافته في الكوفة ، فإن صحّ جازَ أن يؤدّي اجتهاده إلى المنع ؛ لأنّ المقام مقام الاجتهاد ، ولا اعتراض على المجتهد إذا خالف مجتهداً آخر.
الثاني : إنّه أبدع وَضْعَ الخراج ، ورسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يضعِ الخراجَ.
والجواب : إنّ الخراج إنّما يوضَع على الأراضي التي فُتحت صُلحاً ، ولم يُفتح في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة من المدائن صلحاً ، بل أسلم أهلها ، أو فُتح عنوةً ، فلهذا لم يوضع الخراج ، ولم يتقرّر أمره.
ثمّ لمّا فتح بلاد كسرى ـ وكان عمل الملوك فيها الخراج ـ اقتضى رأيه الخراج ، فشاور الأصحاب وأجمعوا عليه ، فعمل بالخراج ؛ للإجماع.
وكان أمير المؤمنين من أهل ذلك الإجماع ، ولم يقدر أحد أن يروي أنّ أمير المؤمنين اعترض على عمر في وضع الخراج ، بل رضي به ، ولو كان غيرَ صالح لكان يعترض عليه ، كما اعترض عليه في حدّ الحامل (٢) ،
__________________
(١) انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ١٠٦ ـ ١٠٧ مادّة «بدع» ، إرشاد الساري ٤ / ٦٥٦ ـ ٦٥٧.
(٢) تقدّم تخريجه مفصلا في الصفحة ٢١٤ هـ ٢ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!