«إنّ النبيّ ـ وحاشاه ـ يهجرُ» (١)!
ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فتلك الروايةُ على تقدير وجودها معارَضةٌ بالروايات التي ذكرها المصنّف (رحمه الله) ، الدالّة على عدم استئذانه من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعدم إذنه أصلا ، وهي أكثر.
وقال في «العقد الفريد» (٢) : «لمّا ردّ عثمان الحكم بن أبي العاص طريدَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريدَ أبي بكر وعمر إلى المدينة ، تكلّم الناس في ذلك ، فقال عثمان : ما ينقم الناس منّي؟! إنّي وصلت رحماً ، وأقررتُ عيناً!».
فإنّه لو كان عذرُ عثمان إذنَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له لَذَكرَه!
وبالجملة : إنّا رأينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طرد الحكم وحرّم دخوله المدينة ، فكلّ مَن خالفه مطعونٌ فيه حتّى يقيم العذر والحجّة ، ولا حجّة لعثمان بالضرورة ؛ ولذا فشا الطعن عليه بين الصحابة من حين إدخاله إلى المدينة إلى أن قُتل عثمان.
وهو بإدخاله له قد خالف سيرة الشيخين قبله ، فينبغي أن يقول أهل السنة بسقوطه عن الخلافة ؛ لمخالفته ـ بذلك ـ لشرط عبد الرحمن ؛ فإنّه بايعه على أن يسير بسيرتهما (٣).
ولو سُلّم إذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له وتحقّق العذر له ، فلا ريب أنّ الحَكَم من أعداء الله وأعداء رسوله ، حتّى لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومَن يخرج مِن
__________________
(١) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ ومرّ تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء ؛ فراجع!
(٢) ص ٩١ ج ٣ [٣ / ٣٠٨]. منه (قدس سره).
(٣) راجع الصفحة ٣٣٨ ، من هذا الجزء.