ومن هنا يُعلم أنّ قول الخصم : «لأنّه لغةُ بعض العرب» ، يكون ردّاً لعثمان ، لا جواباً عنه.
وأمّا جوابه عن عمل المِقداد بما رواه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو مذكورٌ في تتمّة الحديث الذي نقله المصنّف (رحمه الله) عن مسلم ..
فإنّه رواه في «كتاب الزهد» (١) ، وذكر فيه أنّ المِقداد لمّا حثا الحصباء على وجه مادح عثمان ، قال له عثمان : ما شأنك؟!
قال : «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب».
لكنّ المصنّف (رحمه الله) لم يعتنِ بذِكر هذه التتمّة ؛ لعدم صلوحها لدفع الطعن عن عثمان ..
فإنّها إنْ أُبقيت على ظاهرها ، كانت كذباً ؛ لأنّ المدح للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأصحابه بينهم كان شائعاً في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالشعر وغيره ، وكان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يرضى به ويسمعه.
وإنْ صُرفت عن ظاهرها ـ بتقييد المدّاحين بمدّاحي الفسّاق ، أو المدّاحين كذباً ؛ لتجاوزهم في المدح قدر الممدوح ـ كانت مؤكّدة للطعن في عثمان.
أمّا على التقييد الأوّل ؛ فظاهر.
أمّا على الثاني ؛ فلأنّ الواجب على عثمان أن يفعل فِعل المِقداد ، بل هو أَوْلى منه ، فحيثُ لم يفعل ، كان مخالفاً لأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!
على أنّه ما عسى أن يقول المادح لعثمان أكثر من أن يجعله إماماً
__________________
(١) في باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط [٨ / ٢٢٨]. منه (قدس سره).