ومصانعة الكفار.
وإنّما أرسله أوّلا ـ مع هذه الأحوال ـ ؛ ليظهر للناس أخيراً حاله ، ويعلمهم من عدم استصلاحه لذلك أنّه لا يصلح للرئاسة العامّة بالأولويّة ، ويبيّن لهم فضل أمير المؤمنين عليه ومحلّه منه ، ويعرّفهم أنّ مثل هذا الأمر إذا لم يصلح إلاّ له أو لمن هو منه ـ كما نطقت به الأخبار ـ فكيف بالإمامة؟!
وأما قوله : «أتدّعي أنّ عليا كان أمير الحاجّ في تلك السنة؟!» ..
ففيه : إنّه لا مانع من هذه الدعوى بعد نصبه للمطلب الأسنى ، وقيامه بالأمر بعد رجوع أبي بكر ـ لا سيّما وهو من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى ـ ، فإنّه مغن عن النصّ عليه بإمرة الحاجّ لو سلّمنا أنّه غير منصوص عليه.
وليست دعواهم كون أبي بكر أمير الحاجّ في تلك السنة إلاّ لاستلزامِ تركِ النبيِّ لنصبِ الأميرِ مخالفةَ عادتِه ، وعادةِ الرؤساء ، ومخالفةَ العقلِ في مثل هذه المواطن المحتاجة إلى أمير.
فليت شعري ، لِم أجازوا أن يترك أُمّته بعد موته بلا إمام مع انتشارِهم في الأرض ، وتشتّتِ أهوائهم ، وقربِ عهدهم بالكفر ، والفوضويّة؟!
ومجرّد قصد التشريع لا يتوقّف على الفعل ، بل يكفي فيه القول ، ولا سيّما أنّه لم يتّفق أنّ أحداً من ملوك الإسلام ترك رعيّته بلا نصبِ مَن يقوم بعده ، حتّى يهتمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لبيان جواز عمله ، بل لا معنى للتشريع بعمل لم يتبعه عملُ مثلِه أصلا ، ولم يقتدِ به أحدٌ من الأُمّة أو غيرها.