ثمّ استوص بالتّجّار وذوى الصّناعات (١) وأوص بهم خيرا : المقيم منهم والمضطرب بماله (٢) ، والمترفّق ببدنه ، فإنّهم موادّ المنافع ، وأسباب المرافق وجلاّبها من المباعد والمطارح فى برّك وبحرك وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم النّاس لمواضعها (٣) ولا يجترئون عليها ، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته (٤) وصلح لا تخشى غائلته ، وتفقّد أمورهم بحضرتك وفى حواشى بلادك. واعلم ـ مع ذلك ـ أنّ فى كثير منهم ضيقا فاحشا ، وشحّا قبيحا (٥) واحتكارا للمنافع ، وتحكّما فى البياعات ، وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة ، فامنع من الاحتكار فانّ رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا : بموازين عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين من
__________________
(١) «ثم استوص» : انتقال من الكلام فى الكتاب إلى الكلام فى التجار والصناع
(٢) المضطرب : المتردد بأمواله بين البلدان ، والمترفق : المكتسب ، والمرافق : تقدم تفسيرها بالمنافع ، وحقيقتها ـ وهى والمراد هنا ـ ما به يتم الانتفاع كالآنية والأدوات وما يشبه ذلك
(٣) أى : ويجلبونها من أمكنة بحيث لا يمكن التئام الناس واجتماعهم فى مواضع تلك المرافق من تلك الأمكنة
(٤) فانهم : علة لاستوص وأوص ، والبائقة : الداهية ، والتجار والصناع مسالمون لا تخشى منهم داهية العصيان
(٥) الضيق : عسر المعاملة ، والشح : البخل ، والاحتكار : حبس المطعوم ونحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.