الرّعيّة شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصّغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح ، ويشاب الحقّ بالباطل ، وإنّما الوالى بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، وليست على الحقّ سمات (١) تعرف بها صروب الصّدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل فى الحقّ ففيم احتجابك (٢) من واجب حقّ تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك (٣) مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة (٤) أو طلب إنصاف فى معاملة.
ثمّ إنّ للوالى خاصّة وبطانة فيهم استئثار ، وتطاول ، وقلّة إنصاف فى معاملة فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال (٥) ولا تقطعنّ لأحد من
__________________
(١) سمات : جمع سمة ـ بكسر ففتح ـ ، وهى العلامة ، أى : ليس للحق علامات ظاهرة يتميز بها الصدق من الكذب ، وإنما يعرف ذلك بالامتحان ، ولا يكون إلا بالمحافظة
(٢) فلأى سبب تحتجب عن الناس فى أداء حقهم ، أو فى عمل تمنحه إياهم؟
(٣) البذل : العطاء ، فان قنط الناس من قضاء مطالبهم منك أسرعوا إلى البعد عنك ، فلا حاجة للاحتجاب
(٤) شكاة ـ بالفتح ـ ، شكاية
(٥) «فاحسم» أى : اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم ، وإنما