المغترّ بغرورها المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذمّها ، أنت المتجرّم عليها (١) أم هى المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك (٢) أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى (٣)؟ أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى؟! كم علّلت بكفّيك (٤)؟ وكم مرّضت بيديك؟ تبغى لهم الشّفاء (٥) ، وتستوصف لهم الأطبّاء ، [غداة لا يغنى عنهم دواؤك ، ولا يجدى عليهم بكاؤك] لم ينفع أحدهم إشفاقك (٦) ولم تسعف بطلبتك ، ولم تدفع عنه بقوّتك! [و] قد مثّلت لك به الدّنيا نفسك (٧)! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها (٨) ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء اللّه ، ومصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحى اللّه ، ومتجر أولياء اللّه ،
__________________
(١) تجرم عليه : ادعى عليه الجرم ـ بالضم ـ أى : الذنب
(٢) استهواه : ذهب بعقله وأذله فحيره.
(٣) البلى ـ بكسر الباء ـ : الفناء بالتحلل ، والمصرع : مكان الانصراع ، أى : السقوط ، أى : مكان سقوط آبائك من الفناء ، والثرى : التراب
(٤) علل المريض : خدمه فى علته ، كمرضه : خدمه فى مرضه
(٥) الضمير فى «لهم» يعود على الكثير المفهوم من كم. واستوصف الطبيب : طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء
(٦) إشفاقك : خوفك : والطلبة ـ بالكسر ، وبفتح فكسر ـ المطلوب ، وأسعفه بمطلوبه : أعطاه إياه على ضرورة إليه.
(٧) أى : إن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالا لنفسك تقيسها عليه
(٨) أى : أخذ منها زاده للآخرة