اكتسبوا فيها الرّحمة ، وربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها (١) ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، وشوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟؟!! راحت بعافية (٢) ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا وتحذيرا ، فذمّها رجال غداة النّدامة (٣) ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، وحدّثتهم فصدّقوا ، ووعظتهم فاتّعظوا.
١٣٢ ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه ملكا ينادى فى كلّ يوم : لدوا للموت (٤) ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب.
١٣٣ ـ وقال عليه السلام : الدّنيا دار ممرّ لا دار مقرّ ، والنّاس فيها رجلان : رجل باع فيها نفسه فأوبقها (٥) ، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.
__________________
(١) آذنت ـ بمد الهمزة ـ أى : أعلمت أهلها ببينها ، أى : ببعدها وزوالها عنهم. ونعاه : إذا أخبر بفقده ، والدنيا أخبرت بفنائها وفناء أهلها بما ظهر من أحوالها
(٢) راح إليه : وافاه وقت العشى ، أى : إنها تمشى بعافية ، و «تبتكر» أى : تصبح بفجيعة ، أى : بمصيبة فاجعة
(٣) أى : ذموها عند ما أصبحوا نادمين على ما فرطوا فيها ، أما الذين حمدوها فهم الذين عملوا فجنوا ثمرة أعمالهم ، ذكرتهم بحوادثها فانتبهوا لما يجب عليهم ، وكأنها بتقلبها تحدثهم بما فيه العبرة وتحكى لهم ما به العظة
(٤) أمر من الولادة
(٥) باع نفسه لهواه وشهواته فأوبقها ، أى : أهلكها ، و «ابتاع نفسه» أى : اشتراها وخلصها من أسر الشهوات