يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال [و] المال تنقصه النّفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله (١).
يا كميل [بن زياد ، معرفة] العلم دين يدان به ، به يكسب الانسان الطّاعة فى حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقى الدّهر : أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم فى القلوب موجودة. ها إنّ ههنا لعلما جمّا (وأشار بيده إلى صدره) لو أصبت له حملة (٢)! بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه (٣) مستعملا آلة الدّين للدّنيا ، ومستظهرا بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحقّ (٤) لا بصيرة له فى أحنائه ، ينقدح الشّكّ فى
__________________
(١) من كان صنيعا لك متحببا إليك لمالك زال ما تراه منه بزوال مالك ، أما صنيع العلم فيبقى ما بقى العلم ، فانما العالم فى قومه كالنبى فى أمته ، فالعلم أشبه شىء بالدين ـ بكسر الدال ـ يوجب على المتدينين طاعة صاحبه فى حياته والثناء عليه بعد موته
(٢) الحملة ـ بالتحريك ـ : جمع حامل ، و «أصبت» بمعنى وجدت ، أى : لو وجدت له حاملين لأبرزته وبثثته
(٣) اللقن ـ بفتح فكسر ـ : من يفهم بسرعة ، إلا أن العلم لا يطبع أخلاقه على الفضائل ، فهو يستعمل وسائل الدين لجلب الدنيا ، ويستعين بنعم اللّه على إيذاء عباده
(٤) المنقاد لحاملى الحق : هو المقلد فى القول والعمل ، ولا بصيرة له فى دقائق الحق وخفاياه ، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لأقل شبهة