قلبه لأوّل عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك (١)! أو منهوما باللّذّة (٢) سلس القياد للشّهوة ، أو مغرما بالجمع والادّخار ، ليسا من رعاة الدّين فى شىء ، أقرب شىء شبها بهما الأنعام السّائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه
الّلهمّ بلى! لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة : إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خائفا مغمورا (٣) لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته. وكم ذا (٤) وأين [أولئك]؟؟ أولئك ـ واللّه ـ الأقلّون عددا ، والأعظمون عند اللّه قدرا. يحفظ اللّه بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها فى قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون (٥) ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء اللّه فى أرضه ، والدّعاة إلى دينه
__________________
(١) لا يصلح لحمل العلم واحد منهما
(٢) المنهوم : المفرط فى شهوة الطعام ، وسلس القياد : سهله ، والمغرم بالجمع : المولع بكسب المال واكتنازه. وهذان ليسا ممن يرعى الدين فى شىء ، و «الأنعام» ـ أى : البهائم السائمة ـ أقرب شبها بهذين ، فهما أحط درجة من راعية البهائم ، لأنها لم تسقط عن منزلة أعدتها لها الفطرة أما هما فقد سقطا واختارا الأدنى على الأعلى
(٣) غمره الظلم حتى غطاه فهو لا يظهر
(٤) استفهام عن عدد القائمين للّه بحجته واستقلال له. وقوله «وأين أولئك؟» استفهام عن أمكنتهم وتنبيه على خفائها
(٥) عدوا ما استخشنه المنعمون لينا ، وهو الزهد.