يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطروفتن (١) ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصّر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية (٢) ، وسوّف التّوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة (٣) ، يصف العبرة ولا يعتبر (٤) ، ويبالغ فى الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ (٥) ، ومن العمل مقلّ ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما (٦) ، والغرم مغنما ، يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت (٧) يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على النّاس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللّهو مع
__________________
نفسه على اكتسابهما ، وإذا ظن بل توهم لذة حاضرة أو منفعة عاجلة دفعته نفسه إليها وإن هلك
(١) بطر ـ كفرح ـ : اغتر بالنعمة ، والغرور فتنة ، والقنوط : اليأس ، والوهن : الضعف
(٢) أسلف : قدم ، وسوف : أخر.
(٣) شرائط الملة : الثبات والصبر ، واستعانة اللّه على الخلاص عند عرو المحن أى : طروق البلايا. و «انفرج عنها» أى : انخلع وبعد
(٤) العبرة ـ بالكسر ـ تنبه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه
(٥) أدل على أقرانه : استعلى عليهم
(٦) الغنم ـ بالضم ـ : الغنيمة ، والمغرم : الغرامة ، والأعمال العظيمة غنيمة العقلاء ، والشهوات خسارة الأعمار
(٧) الفوت : فوات الفرصة وانقضاؤها ، وبادره : عاجله قبل أن يذهب.