الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ونصب الآفات (١) ، وصريع الشّهوات ، وخليفة الأموات
أمّا بعد ، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّى ، وجموح الدّهر علىّ (٢) ، وإقبال الآخرة إلىّ ، ما يرغّبنى عن ذكر من سواى (٣) ، والاهتمام بما ورائى (٤) غير أنّى حيث تفرّد بى ـ دون هموم النّاس ـ همّ نفسى ، فصدقنى رأيى ، وصرفنى عن هوائى (٥) ، وصرّح لى محض أمرى ، فأفضى بى إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، ووجدتك بعضى ، بل وجدتك كلّى ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابنى ، وكأنّ الموت لو أتاك أتانى فعنانى من أمرك ما يعنينى من أمر نفسى ، فكتبت إليك (٦) [كتابى]
__________________
(١) من قولهم «فلان نصب عينى» ـ بالضم ـ أى : لا يفارقنى ، هكذا قال الأستاذ الامام ، وعندى أن خيرا من ذلك ضبط «نصب» بفتحتين أو بفتح فسكون وهو الغاية أو العلم المنصوب ، فكأن يريد أنه غاية تنتهى الآفات عندها فتلقى عصاها وتستقر لديه ، أو كأنه علم منصوب لا تهتدى الآفات إلا إليه ولا تقع إلا عليه. والصريع : الطريح
(٢) جموح الدهر : استعصاؤه وتغلبه
(٣) «ما» خبر «أن» ، وروى «فاننى فيما تبينت ـ الخ» وعليه فما مفعول «تبينت»
(٤) من أمر الآخرة
(٥) صدفه : صرفه ، والضمير المستتر فى «صرفنى» للرأى. ومحض الأمر : خالصه
(٦) مفعول كتب هو قوله «فانى أوصيك ـ الخ» ، هكذا قال الأستاذ الامام ، وظاهر غاية الظهور أنه لا يتأتى على النسخة