مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت
فانّى أوصيك بتقوى اللّه ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأىّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللّه إن أنت أخذت به؟؟ أحى قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء (١) ، وبصّره فجائع الدّنيا ، وحذّره صولة الدّهر ، وفحش تقلّب اللّيالى والأيّام ، وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر فى ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا ، وعمّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا ديار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلّف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك (٢) ، وجاهد فى اللّه حقّ جهاده ، ولا تأخذك
__________________
التى فيها زيادة «كتابى» وهى النسخة التى شرح عليها ابن أبى الحديد ، وقوله «مستظهرا به» أى : مستعينا بما أكتب إليك على ميل قلبك وهوى نفسك.
(١) اطلب منه الاقرار بالفناء ، و «بصره» أى : اجعله بصيرا ، بالفجائع : جمع فجيعة ، وهى المصيبة تفزع بحلولها
(٢) «باين» أى : باعد وجانب الذى يفعل المنكر.