النّفور ، وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية : ما ألقى فيها من شىء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك ، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته وتجربته (١) فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعوفيت من علاج التّجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه (٢) أى بنىّ ،
إنّى ـ وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلى ـ فقد نظرت فى أعمالهم ، وفكّرت فى أخبارهم ، وسرت فى آثارهم ، حتّى عدت كأحدهم ، بل كأنّى بما انتهى إلىّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله (٣) وتوخّيت لك جميله ، وصرفت عنك مجهوله ، ورأيت ـ حيث عنانى من أمرك ما يعنى الوالد الشّفيق ، وأجمعت عليه من أدبك (٤) ـ أن يكون (٥)
__________________
(١) ليكون جد رأيك ـ أى : محققه وثابته ـ مستعدا لقبول الحقائق التى وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها ، والبغية ـ بالكسر والضم ـ : الطلبة ، والحاجة
(٢) استبان : ظهر ، إذا انضم رأيه إلى آراء أهل التجارب فربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم ، فان رأيه يأتى بأمر جديد لم يكونوا أتوا به
(٣) النخيل : المختار المصفى ، ويروى «جليله» أى : عظيمه. و «توخيت» : أى : تحريت.
(٤) أجمعت : عزمت ، عطف على «يعنى الوالد»
(٥) «أن يكون» : مفعول «رأيت»