النّاس قد خزيت (١) ، وهذه الأمّة قد فنكت وشغرت (٢) ، قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ (٣) ففارقته مع المفارقين ، وخذلته مع الخاذلين ، وخنته مع الخائنين فلا ابن عمّك آسيت (٤) ، ولا الأمانة أدّيت ، وكأنّك لم تكن اللّه تريد بجهادك وكأنّك لم تكن على بيّنة من ربّك ، وكأنّك إنّما كنت تكيد هذه الأمّة عن دنياهم (٥) وتنوى غرّتهم عن فيئهم ، فلمّا أمكنتك الشّدّة فى خيانة الأمّة أسرعت الكرّة ، وعاجلت الوثبة ، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذّئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة (٦) فحملته إلى الحجاز رحيب الصّدر بحمله غير متأثّم من أخذه (٧) كأنّك ـ لا أبا
__________________
(١) كلب ـ كفرح ـ : اشتد وخشن ، والكلبة ـ بالضم ـ : الشدة والضيق وحرب ـ كفرح ـ اشتد غضبه ، أو كطلب : بمعنى سلب مالنا ، وخزيت ـ كرضيت ـ وقعت فى بلية الفساد الفاضح
(٢) من «فنكت الجارية» إذا صارت ماجنة ، ومجون الأمة أخذها بغير الحزم فى أمرها كأنها هازلة ، وشغرت : لم يبق فيها من يحميها
(٣) المجن. الترس ، وهذا مثل يضرب لمن يخالف ما عهد فيه
(٤) آسيت : ساعدت وشاركت فى الملمات
(٥) كاده عن الأمر : خدعه حتى ناله منه ، والغرة : الغفلة ، والفىء : مال الغنيمة والخراج
(٦) الأزل : السريع الجرى ، أو الخفيف لحم الوركين ، والدامية : المجروحة والكسيرة : المكسورة ، والمعزى ، أخت الضأن ، اسم الجنس كالمعز والمعيز
(٧) التأثم : التحرز من الاثم ، بمعنى الذنب. و «لا أبا لغيرك» : تقال للتوبيخ مع التحامى من الدعاء عليه ، وحدرت : أسرعت إليهم ، بتراث أو ميراث ، أو هو من «حدره» بمعنى حطه من أعلى لأسفل